بمأساةٍ هزت الأركان، رحل عنا عملاقٌ من العلماء، الشيخ مولانا جعفر مسعود الحسني الندوي، خسارته فادحة لا تُقدر بثمن. كان مقامه سامياً، وعلمه نورًا يضيء الدروب. موت العالِم موت العالَم، لكن العالم لا يموت ما دام علمه ينتشر. فكم من عقلٍ سيفقد نوره، وكم من قلبٍ سيفقد دفئه برحيله.
يا عَينُ مَهما كُنتِ ذاتَ جُمود – فَلَأُبكِينكِ دَماً عَلى مسعود
رحل الجسد، وبقي الأثر، رحل العلامة الأستاذ الشيخ مولانا سيد جعفر مسعود الحسني الندوي، يوم الأربعاء الخامس عشر من يناير عام ألفين وخمسة وعشرين، إلى جوار ربه، تاركاً خلفه إرثاً علمياً ضخماً وسيرة عطرة ستخلد في ذاكرة الأجيال. إنّ رحيله خسارة كبيرة، ولكنّ علمه سيبقى حياً ما دامت الكتب تُقرأ.
كان رحمه الله عالماً جليلاً، وباحثاً بارعاً، ومربياً رحيماً، ومعلماً مثاليًا، وقد سار على خطى والده العلامة الجليل واضح رشيد الندوي. كما كان رفيق درب صادقًا، وسندًا قويًا للعلامة الفاضل مولانا بلال عبد الحي الحسني الندوي، رئيس ندوة العلماء الحالي.
وُلد مولانا جعفر، سليل عائلة العلامة السيد أبي الحسن علي الندوي الشريفة، في الثالث عشر من سبتمبر عام ألف وتسعمائة وخمسة وستين بقرية تكية بمديرية راي بريلي في الولاية الشمالية أتر برديش بالهند.
حفظ السيد جعفر القرآن الكريم، وتلقى تعليمه الابتدائي في مسقط رأسه راي بريلي، ثم التحق بندوة العلماء بلكناؤ، حيث اكتسب براعةً في العلوم الإسلامية واللغة العربية وآدابها. حصل على شهادة العالمية عام ألف وتسعمائة وواحد وثمانين، وشهادة الفضيلة عام ألف وتسعمائة وثلاثة وثمانين من دار العلوم نفسها. بعد ذلك، أكمل دراسته العليا، فحصل على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة لـكـناؤ عام ألف وتسعمائة وستة وثمانين. ثم تلقى تدريباً تربوياً رفيعاً في عام ألف وتسعمائة وتسعين في جامعة الملك سعود المرموقة بالمملكة العربية السعودية.
نورد فيما يأتي قائمة بنتاجه الأدبي من كتب وترجمات:
في مسيرة الحياة: ترجمة كتاب العلامة السيد أبي الحسن علي الندوي “كاروان زندگی” إلى اللغة العربية: تُعدّ هذه السيرة الذاتية الممتدة على سبعة مجلدات لمولانا أبي الحسن علي الندوي مزيجًا ساحرًا بين الذكريات الشخصية والوقائع التاريخية. فهي تمنح القارئ نظرةً عميقةً إلى حياة المؤلف، وملاحظاته، وتجاربه، وانعكاساته، متداخلةً مع نسيج الأحداث والحركات والشخصيات التي شكّلت الهند والعالم الإسلامي. والنتيجة هي سرد مُقنع يُشكّل رحلةً شخصيةً مُلهمةً، ووثيقةً تاريخيةً قيّمةً في آنٍ واحد. يقدم هذا العمل روايةً غنيةً وعميقةً ستكون ذات قيمة عظيمة للمؤرخين والعلماء والباحثين والمهتمين بالأدب على حدّ سواء.
الشيخ محمد يوسف الكاندهلوي – حياته ومنهجه في الدعوة – تعريب كتاب الشيخ محمد الثاني الحسني: يرسم هذا الكتاب الفريد لوحةً زاهيةً للحياة والمناهج العظيمة للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي، الداعية الإسلامي الجليل. فهو يستعرض بعمقٍ وشمولية أفكاره حول النهضة الإسلامية، دون أن يغفل أي جانب من جوانب حياته أو صفةٍ بارزةٍ من شخصيته.
يتمكن القارئ من خلال هذا العمل من استيعاب جوانب حياة الشيخ كافة، بدءًا من أسرته وبيئته، مروراً بأيام طفولته وتعليمه، وصولاً إلى صفاته المميزة، وتضحياته، ودعوته إلى الله تعالى.
كما يقدم هذا الكتاب سجلاً تاريخيًا لحركة الدعوة والتبليغ الإسلامية منذ نشأتها وحتى الأيام الأخيرة من حياة الشيخ محمد يوسف، مدعومًا بوثائقَ خطيةٍ، ورسائلَ، وخطبٍ، ومراسلاتٍ من أصحابه المقربين.
كتاب: دعوة للتأمل والتفكر
بصائر: تعريب كتاب العلامة السيد أبي الحسن علي الندوي: مقدمة موجزة وموثوقة في الحركات الدينية والإصلاحية العظيمة، والمدارس الفكرية، والمراكز التعليمية والتدريبية في الهند. يتضمن ذلك عرضًا موجزًا لنضالاتها ضد المعتقدات الفاسدة والعادات غير الإسلامية والممارسات الجاهلة، بالإضافة إلى إنجازاتها وجهودها الجادة في تصحيح المفاهيم الخاطئة والتصورات المغلوطة.
مدير التحرير لمجلة الرائد: مجلة عربية نصف شهرية تصدر من دار العلوم ندوة العلماء.
رئيس مجلس الإدارة لرابطة الأدب الإسلامي العالمية
كانت حياته مثالاً رفيعًا في البساطة، وقلمه سلاحًا قويًا، وأسلوبه سلسًا رقيقًا جذابًا. وفي بيان الفكر الإسلامي ودحض الأفكار المنحرفة، كانت كلماته كنور الشمس تشق ظلمات الجهل. نسأل الله تعالى أن يرزق الأسرة الندوية بخلفٍ على قدره.
إليكم أبيات للشاعر شكيب أرسلان، وقد تم استبدال كلمة واحدة فيها:
يا عَينُ مَهما كُنتِ ذاتَ جُمود – فَلَأُبكِينكِ دَماً عَلى مسعود
وَلَأُمطِرَنكَ مِنَ الدُموعِ سَحائِباً – تَروينَها عَن كَفِّهِ في الجودِ
وَلَأَنتَ يا كَبِدي فَمِن نارِ الأَسى – ذوبي وَيانارُ الضُلوعِ فَزيدي
صهيب الندوي
مجلة الإمام